ما هي الغاية مِن خَلق البشر؟

*✍ الدرس الأول من سلسلة فقه العبادات :*
               
◾️ السؤال (1⃣) : فضيلة الشيخ، ما هي الغاية مِن خَلق البشر؟

◾️ الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

▪️فإنه قبل أن أجيب على هذا السؤال، أحب أن أنبه على قاعدة عامة فيما يخلقه الله عز وجل، وفيما يشرعه، وهذه القاعدة مأخوذة من قوله تبارك وتعالى: (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ، وقوله: (إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) ، وغيرهما من الآيات الكثيرة الدالة على إثبات الحكمة لله عز وجل، فيما يخلقه، وفيما يشرعه، أي في أحكامه الكونية والشرعية، فإنه ما من شيء يخلقه الله عز وجل إلا وله حكمة، وسواء كان ذلك في إيجاده أو إعدامه، وما من شيء يشرعه الله سبحانه وتعالى إلا لحكمة، سواء كان ذلك في إيجابه، أو تحريمه، أو إباحته.

⏪ لكن هذه الحكم التي يتضمنها حكمه الكوني والشرعي، قد تكون معلومة لنا، وقد تكون مجهولة، وقد تكون معلومة لبعض الناس دون بعض، حسب ما يأتيهم الله سبحانه وتعالى من العلم والفهم.

⚠️ إذا تقرر هذا فإننا نقول: إن الله سبحانه وتعالى خلق الجن والإنس لحكمة عظيمة، وغاية حميدة، وهي عبادته تبارك وتعالى.
كما قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)، وقال تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن لله تعالى حكمة بالغة في خلق الجن والإنس، وهي عبادته.

⬅️ والعبادة هي التذلل لله عز وجل، محبة، وتعظيماً بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، على الوجه الذي جاءت به شرائعه، قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) 

⬅️ فهذه هي الحكمة من خلق الجن والإنس، وعلى هذا فمن تمرد على ربه، واستكبر عن عبادته، فإنه يكون نابذاً لهذه الحكمة التي خلق العباد من أجلها، وفعله يشهد بأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق عبثاً وسدى، وهو وإن لم يصرح بذلك، لكن هذا مقتضى تمرده واستكباره عن طاعة ربه.

🌹🍃🌹🍃🌹🍃🌹🍃🌹🍃

◾️ السؤال 2⃣ : فضيلة الشيخ، لكن هل للعبادة مفهوم يمكن أن نعرفه، وهل لها مفهوم عام، ومفهوم خاص؟

◾️ الجواب: نعم مفهومها العام كما أشرت إليه آنفاً، بأنها التذلل لله عز وجل محبة وتعظيماً، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، على الوجه الذي جاءت به شرائعه، هذا المفهوم العام.

⚠️ والمفهوم الخاص - أعني تفصيلها - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هي " اسم جامع لكل ما يجبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، كالخوف، والخشية، والتوكل، والصلاة، والزكاة، والصيام، وغير ذلك من شرائع الإسلام".

💥 ثم إن كنت تقصد بمعنى المفهوم الخاص والعام ما ذكره بعض العلماء من أن العبادة إما عبادة كونية، أو عبادة شرعية، بمعنى أن الإنسان قد يكون متذللاً لله سبحانه وتعالى تذللا كونيا وتذللاً شرعياً، فالعبادة الكونية عامة، تشمل المؤمن والكافر، والبر والفاجر، لقوله تعالى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) ، فكل ما في السموات والأرض فهو خاضع لله سبحانه وتعالى كوناً، لا يمكن أبداً أن يضاد الله، أو يعارضه فيما أراد - سبحانه وتعالى - بالإرادة الكونية.

◾️ وأما العبادة الخاصة: وهي العبادة الشرعية، وهي التذلل لله تعالى شرعاً، فهذه خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه وتعالى، القائمين بأمره ثم إن منها ما هو خاص أخص، وخاص فوق ذلك.

⬅️ فالخاص الأخص كعبادة الرسل عليهم الصلاة والسلام، مثل قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ)  ، وقوله (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) ، وقوله: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) ، وغير ذلك من وصف الرسل عليهم الصلاة والسلام بالعبودية.

*📚 فقه العبادات للشيخ العثيمين رحمه الله ص 13-12-11*